العزيزة مروى
جميل منكم هذا
محطة الاخلاص لله
أخوتاه : قد يقول قائلكم ما هو الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة واستعمال السلف الصالح رحمهم الله.
فأقول بإذن الله: لقد تنوعت تعاريف العلماء للإخلاص، ولكنها تصب في معين واحد ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في حركاته وسكناته وعباداته الظاهرة والباطنة، خالصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس.
قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل عن النية في العمل، قلت كيف النية: قال يعالج نفسه، إذا أراد عملاً لا يريد به الناس.
قال أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا.
والناس في الإخلاص والمتابعة أربعة أصناف:
فالصنف الأول منهم: هم أهل الإخلاص والمتابعة، لم يريدوا بعملهم إلا وجه الله تبارك وتعالى، لم يريدوا ثناء الناس ولا طلب المنزلة والمحمدة في قلوبهم ولا الهرب من ذمهم، إنما كل أعمالهم لله تبارك وتعالى، أعمالهم وأقوالهم وحبهم وبغضهم وعطاؤهم ومنعهم لله رب العالمين، فعملهم ظاهرًا وباطنًا لوجه الله وحده، لا يريدون من الناس جزاءً ولا شكورًا.
والصنف الثاني: لا إخلاص لهم ولا متابعة، وهم أمقت الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وهم شرهم عنده؛ إذ لم يريدوا بعملهم وجه الله ولم يتابعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فتزينوا للناس بما لم يشرعه الله تبارك وتعالى، فيا ويلهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
والصنف الثالث: هم الذين أخلصوا ولم يتابعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وذلك مشهود ملحوظ ملموس في جُهّال العباد الذين أخلصوا الله تبارك وتعالى، ولكن أفسد الشيطان عليهم فجعلهم يعملون بالنية الحسنة أعمالاً غير مشروعة، فيصومون يوم فطر الناس، ويعتقدون أن الخلوة والتخلف في بيوت معتزلين فيها أفضل من الجُمَع والجماعات إلى غير ذلك مما يعتقده المنتسبون للطرق.
والصنف الأخير: هم أهل المتابعة الظاهرة الذين لا يصدق ظاهرهم باطنهم، فأتوا بأعمال تابعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، لكن لم يكن من ورائها إخلاص، فحبطت وزالت وراحت كأنها لم تكن.
هذه هي الأصناف الأربعة في أمر الإخلاص والمتابعة، ويقول الله تبارك وتعالى مُرغبًا في الإخلاص ومحذرًا من الرياء، يقول في الإخلاص في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
واعلم ـ أيها الأخ المسلم ـ أنه لا بد لكل عمل من نية كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في حديث عمر الصحيح الذي أخرجه الجماعة: ((إنما الأعمال بالنيات))، ولا بد للنية من الإخلاص لله تعالى كما قال لنبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في سورة الزمر: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2، 3].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فيما أمره به ربه في نفس السورة: قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:14]، فقال للناس: أنا أعبد الله مخلصًا له الدين، فاعبدوا ما شئتم من دونه.
وقال في سورة النساء: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125]، من أحسن من هذا الذي أخلص في الباطن وتابع في الظاهر، تابع ملة إبراهيم حنيفًا؟! حَنِيفًا أي: مائلاً عن الشرك مبتغيًا وجه الله تعالى، ولهذا قال وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً لأنه ما أمره الله تبارك وتعالى بشيء إلا امتثله، قال الله تعالى في سورة الزمر: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].